مذكرات موت
استيقظت من النوم في تلك الليلة ولم أكن أعلم لماذا أفقت.. فلم يكن
بالي مشغول بشيء
ذهبت بشكل آلي إلى الثلاجة لكي أقنع نفسي بأني كنت
عطشانا
كان الجو غريباً.. وكان المنزل خالي من السكان
ألقيت
نظرة على الصالة الواسعة.. وكان المنظر مخيفاً
الأبواب كلها
مفتوحة.. وكانت الريح تهب بقوة مصدرة صوت وكأنها تنذر بشيء
وبدا لي البيت
موحشا.. وكئيبا.. حاولت أن أشعل الضوء ولكن لم تكن هناك استجابة..
دخلت إلى المطبخ على الرغم من هذا
ففتحت باب الثلاجة.. وتراجعت إلى
الخلف بقوة حيث كان ذلك المنظر البشع.. سبب هروب النوم من عيناي..
قط
مذبوح معلق على باب الثلاجة و رأسه قد بتر جزئياً.. و الجلد هو ما
يمسك برأسه
وبعض قطرات الدم تنزل منه.. أو ما تبقى من دمه
ونظر
إلي القط بعينيه المخيفتين.. وأخذ يموء بصوت ضعيف
أغلقت باب الثلاجة من الهلع
الذي انتابني حاولت الخروج بسرعة لكن صوت من خلفي يقول
( كفى..
كفى.. أرجوك..) كفى استوقفني....
نظرت إلى الخلف بسرعة.. وكانت
النافذة مفتوحة
ومن خلفها كانت هناك فتاة واقفة تنظر إلي ببرود
تسمرت..
في مكاني وأنا مندهش من المنظر
لقد كانت مرتدية فستاناً أبيض اللون
وكانت
تبكي بدموع من دم..!! وهي تنظر إلي وتقول..( كفى أرجوك كفى )
واستمرت
في ذرف الدماء.. وهي تتوسل
( أرجوك.. لا تفعل..) فاخترقت سكينة حادة
قلب الفتاة من الخلف
وشهقت وجحظت عيناها.. واختنق صوتها وهي تقول.. (
أنا آسفة)
وأخذ يتردد في المنزل أصوات ضحكات لطفلة صغيرة
خرجت
من المطبخ بسرعة.. وأنا ألهث غير مصدق لما يحدث
خرجت من المنزل إلى
الشارع.. فوجدت أطفال يلعبون الكرة
وتوقفوا عن اللعب.. ونظروا إلي
جميعا.. كانت أعينهم بيضاء.. بالكامل
تقدم أحدهم وطلب مني أن ألعب
معهم.. وأجبت بالرفض
فبدأ الأول بالصراخ والبكاء.. وأمسك برأسه وهو
يصرخ ويبكي
وأخذوا جميعاً يفعلون نفسي الشيء إلى أن تفجرت رؤوسهم
ونزفت
منهم الدماء بغزارة.. واستمروا باللعب.. والضحك
ابتعدت عن هذا
المكان بسرعة.. ووصلت إلى نهاية الشارع
على اليمين حديقة وعلى
اليسار الطريق العام
التفت إلى الحديقة ونظرت جيداً إن كان هناك أحد
وتنفست
الصعداء بعدما تأكدت من خلو الحديقة من أحد
دخلت إلى الحديقة..
وجلست لكي أرتاح قليلاً
وبينما كنت ألتقط أنفاسي.. سمعت صوتاً
غريباً
وكأنه صوت فتاة صغيرة تغني والتفت إلى اليسار.. ووجدت
تلك الفتاة ذات الرداء الأبيض
تسقي الزهور أو كما خيل إلي بأنها
زهور.. ويعلو ثغرها ابتسامة جميلة
( مرحباً سيدي.. يوم جميل أليس كذلك )
لم
أجب ولكن كنت أمعن النظر في وجهها وتأكدت من أن أعينها سليمة
وابتسمت
وقلت: ( نعم.. يبدو كذلك.. ما الذي تفعلينه في هذا الوقت؟ )
وأجابت..(
إنني أسقي الزهور يا سيدي.. ألا ترى؟ )
ونظرت إلى الزهور وسرت في جسدي
رجفة من المنظر
كانت تسقي زهور ميتة.. وذابلة
فقلت لها..(
ولكن هذه الزهور ذابلة يا آنسة )
ابتسمت وقالت أعلم ذلك يا سيدي
انتظر قليلاً )
وفجأة تحولت الزهور إلى غربان.. لها أعين حمراء
ومناقير ملطخة بالدماء
وهجمت تلك الغربان على الفتاة التي كانت تضحك
منتشية
وفقأت الغربان عينها وسالت منها الدماء وهي لا تزال تضحك
خرجت
من الحديقة مسرعاً.. وأنا أسابق الريح
فقررت الذهاب إلى منزل عمي
وصلت
إلى المنزل.. وكان الباب مغلقاً
وتحولت إحدى النباتات إلى طير
غريب.. وابتعد
دخلت إلى المنزل.. وسمعت صوت ينادي باسمي
وكلما
اقتربت من الدرج.. ارتفع الصوت.. وصلت إلى الدرج ونظرت إلى
آخر
الدرج.. وكان هناك جدي.. ينظر إلي بأعين صفراء
وهو مرتدي ذلك المشلح
الأسود.. وتلك الغترة البيضاء القديمة
ممسكاً بمسبحته.. ويأمرني
بالاقتراب.. وكان من خلفه جدار
به أعين كثيرة.. تترقبني عن كثب
ورفضت
الاقتراب.. ويبدو أن جدي تأثر من ردي
واحترق.. وهو يصرخ.. واختفى..
واحترق الجدار من خلفه أيضاً
اصلت طريقي.. متجاوزاً الدرج
ولازال
الصوت ينادي
وبينما كنت متجهاً نحو الدور العلوي
استوقفتني
فتاة.. ويرافقها شاب
إني أعرفهما جيداً.. نظرت إليهما بكل حقد وكراهية
وكانت
الفتاة تبدو حزينة وهي تنظر إلي
وتقول..( أرجوك.. لا لا تفعل..) كذلك
أخذ الشاب بجانبها يكرر نفس الكلمات
خامرني.. شعور رهيب..
حزن..وغضب.. فصرخت بقوة..
( لماذا؟.. لماذا؟ )
استمروا بالتوسل..
وفجأة.. اخترق عنق الفتاة خنجر حاد
وجحظت عيناها.. وهي تقول.. آسفة
أما
بالنسبة للشاب.. فقد أخذ يضرب من قبل قوى مجهولة
ويضرب بقوة.. وأخذ
ينزف.. من أنفه وهو يبكي (أرجوك توقف)..
واخترقت ثلاث رصاصات.. رأسه
اللعين
وأسرعت إلى الدور العلوي.. وظهرت لي فتاة أخرى
فتاة
جميلة.. صغيرة.. ترتدي رداء وردي
ارتحت لها.. وانزاح عني كل الحقد
والكراهية .. والخوف عندما رأيتها
ونظرت إلي بابتسامه حزينة
وقالت:
( لقد أفسدت كل شيء.. أنا آسفة )
أجبتها والحزن يخنقني: (..لماذا.. ألم
يكن هناك خيار أمامكم غير هذا لماذا لم تأخذيني معك )
أمسكت
الفتاة.. بقنينة صغيرة.. وحاولت شربها وصرخت فيها
( لااا.. توقفي
أرجوك.. لا تذهبي مرة أخرى )
لااا.. وكأن كلماتي ذهبت أدراج الرياح
رشفت
الفتاة بعضاً من القنينة.. وهي لا تزال تبتسم
وسقطت على الأرض..
بلا حراك
وصرخت بكل ما أملك من قوة.. لاااااااا
انشقت الأرض
من تحتي.. ونزلت إلى الدور الاخر
في غرفة صغيرة.. كان فيها مخلوق
غريب
مخلوق أحمر اللون.. وشكله مخيف.. ولديه قرن مدبب فوق رأسه
وأمسك
بكتاب وأخذ يقرأ .. عندما لمحني.. اشار الى نفسه والكتاب.. وقال مبتسماً :
( أمر غريب.. اليس كذلك ؟ )
وأخذ المخلوق يقرأ وهو يتألم.. كأنه يحترق
يحترق
كل ما قرأ من الكتاب.. احترق.. إلى أن تبخر
حاولت أن أمسك
بالكتاب.. ولم يكن به شيء
مجرد صفحات فارغة وتعجبت ما الذي
كان يحرق هذا المخلوق
ونظرت إلى بداية الكتاب.. ووجدت عدة كلمات
ليست واضحة
وهي.. بسم الله الرحمن الرحيم
خرجت.. من منزل
عمي.. أو كما خيل إلي
وعدت إلى منزلي.. وأغلقت الباب خلفي وأنا
ألهث من التعب والخوف
وذهبت إلى المرآة.. ونظرت إليها وحاولت
أن أصد عنها لكن لم أستطع.. بدأت بالصراخ
من هول ما رأيت.. ورأيت
نفسي احترق بالمرآة وأنا أتوسل إلى شخص ما.. بالتوقف
( أرجوك..
توقف.. أرجوك )
نظرت إلى الشخص الآخر.. وكان الشخص هو أنا ممسكاً
بمسدس صغير..
فالتفت إلي.. وأطلق رصاصة استقرت في جبيني
ومع
استقرار الرصاصة الصغير.. في دماغي.. شعرت بالبرودة تتسلل داخل جسدي..
هل
هذه هي النهاية..؟
لا أعلم ..هل كان حلما مزعجاً ..ام
حقيقة ..مرعبة ؟
آخر ما اذكره ..هي تلك الرصاصة القاتلة
انظر
من حولي ..فاجد نفسي اقف على برج مصنوع من الجماجم
بين غيوم سوداء
.. يخترقها برق احمر مخيف
كان البرج عالياً، عالياً جداً وكأني
وحيداً معلق في السماء
لم اكن قادرا على الحراك كنت اشبه بالتمثال
انتفضت
اذناي ..لصوت انين قادم من الأسفل
يزحف ببطء.. برج الجماجم
يرتجف .. وكانه خائف من شئ
نظرت الى اسفل البرج ..او كما خيل الي
..الى الأرض
اذا بمنظر يشيب له الرضيع
ما هذا ؟؟.. دب الخوف
في قلبي.. فحاولت النزول.. ولكني لم استطع
".. الجميع يبكي من أجل
الحرية.."
اخترق ذلك الصوت الغريب.. حاجز التوتر والخوف لدي..
انهم
بشر وليسوا ببشر .. يتسلقون البرج
حفاة عراة ..رجالاً ونساءً
..شيوخاً واطفالاً
يحملون وجوهاً واشكالاً.. اقشعّر جسدي لرؤيتها
كانت
الدموع تنسال من اعينهم .. وكانت اجسادهم مثخنة بالجراح
ليس لسبب
.. انما لأنهم وعلى مايبدو يقتتلون فيما بينهم
للوصول ..الى قمة
البرج ..للوصول ..على مايبدو
حاولت ان اصرخ فيهم ..ولكن لم استطع
حاولت
التحرك ..حاولت ان افعل شيئا ولكن .. كنت عاجزا
بدأوا بالأقتراب
والصوت يعلو
وكأنهم يتحدثون بنفس الكلمات ويعيدونها مرارا وتكرارا
واقترب
احدهم ..وامسك بقدمي ..وانا عاجز عن كل شئ حتى الصراخ ..
وحاول ان
يصعد ولكن امسك به احدهم ورمى به الى االأعماق السحيقة ..وهو يصرخ
بدأوا
بالأقتراب .. وامسك بي الآخر ..امسك بقدمي ..وهم بمحاولة ما
فتسلق
فوقه طفل صغير
استمر الطفل الصغير الى ان وصل فوق رأسي
وبدأ
بالبكاء..واجتمعوا علي كلهم
واخذوا بالنزاع والقتال ..لا أعلم
لماذا
لم يتحمل البرج هذا النزاع .. واخذ يتهاوى
فسقطوا
اشباه البشر ..وأنا معهم
وكأن اقدامنا زلت على حافة وادي سحيق
واستمرينا
بالسقوط ..وانا لازلت عاجزاً عن فعل اي شئ
وكأن السقوط ابدي ..وليس
له نهاية
واخيرا .. وصلنا لنهاية المطاف
سقطنا في بحيرة
واسعة .. ولم تكن مياهها عادية
كانت مياه ساخنة جدا .. وكأنها اعدت
لأذابتنا
مياه اشبه بالحمم
لم نستحمل هذا الألم ..وحاولنا
الخروج بسرعة
فشل بعض اشباه البشر من الخروج واستسلم للغرق
تسابقت
وأياهم للخروج ..واخرجت رأسي ..واطلقت صرخه
تجمع مابين الفزع
والألم ..واختلطت بسعادة غريبة ..لأني استطعت الحراك
منذ اول لحظة
سقطت فيها
وليس اغرب من سعادتي
الا المياه نفسها .. لقد
اصبحت بارده ..بشكل غريب
فانخفضت المياه ..الى ان استوينا على الأرض
وكأن
المياه تسربت ..او هربت الى الأرض خوفا ..من شئ ما
منظر مريب....
من فشل من اشباه البشر في النجاه من المياه
الساخنة ..كالسمكة عندما
تخرج من الماء
ينتفضون ..وكأنهم يلفظون انفاسهم الأخيرة
ومن
تبقى من الذين نجوا .. هموا بسرعة وكأنهم يحاولون انقاذهم
ولكن
انقضوا وبسرعة ..وبدأوا في نهش اجسادهم
بطريقة ..تخلوا من جميع
معاني الأنسانية
برقت السماء بذلك اللون الاحمر ..وهز صوت هزيم
الرعد ارجاء المكان
ولا أعلم لماذا ..ولكني اطلقت صرخة غاضبة
استمرت
طويلا ..وتبعها قطرات من المطر
مطر لم يكن بمطر ..انما دماء ..
بلونها الأحمر القاني
انهمرت الدماء بسرعة .. وغرقت الأرض
حاولت
الهرب .. وحاولوا اشباه البشر او ماتبقى منهم ..الهرب ايضا
ولكن
..بحر الدم اكثر صعوبة..الدماء الآن.. تزداد كثافة
حاولنا بشكل
مآساوي .. الخروج الى السطح ..سطح بحر الدم
ولكن ..خيل الي وكأنه
بحر بلا سطح ..وكأنه حكم بالموت بالغرق ..في بحر من الدم
خارت
قواي .. استسلمت الى الموت المحقق
ومات كل من تبقى من اشباه البشر
فاستسلمت
..اجفاني وتركت لبحر الدم حرية التصرف بجسدي
أني اموت
..اموت مرة اخرى
نظرت من حولي.. اذا
بي في أرض واسعة..ولم اجد سوى شجرة باهتة.. لم تذق طعم
الماء منذ فترة
طويلة. كان الجو غريباً، غيوم صفراء، صفير الرياح، ولم يكن
هناك احد
سواي انا والشجرة.
تحركت الغيوم بطريقة تدريجية غريبة.. لتتكاثف
بشكل حلزوني.. حيث اصبح شكلها مثل دوامة عظيمة.
والرياح تزداد قوة،
والأرض تهتز بعنف، والسماء ترتجف.. فتشكلت الغيوم على هيئة وجه امرأة
حزينة..
ولم تمض دقائق.. حتى انهمرت الأمطار من عينيها..
ولأول
مرة.. احسست فعلاً بأن الأمطار شبيهة بالدموع.. فهي ليست بدماء.. ولا شيء
غريب آخر..
تردد صوت تأوّه في السماء.. فأنشقت الأرض عن أشجار تنمو
بسرعة..
عليها رؤوس شبه بشرية..مع تكاثر الأشجار.. نظرت الى الخلف
فاذا بالشجرة الباهتة
نمت وكبرت.. حتى أصبحت عملاقة.. لم يتغير فيها
شيء سوى حجمها.. وصوت يخرج منها..
ومن بقية الأشجار.. كلمة تلفظها
الرؤوس .. " لماذا" ؟
ركضت بأقصى طاقتي.. هرباً من ذلك المنظر
المفزع.. بلا هدى في هذه الأرض الواسعة..
توقف المطر بشكل مفاجيء..
وعم الهدوء ارجاء الأرض..
ولكن.. خيّم الليل بسرعة.. وكأنه يحاول
اخفاء شيء ما.. في هذا النهار..
لم اعد ارى شيئاً.. ظلام دامس
بالفعل.. وبرقت السماء..
لتكشف عن عين كبيرة.. ترقبني وسط الظلام..
وكلما برقت السماء..ظهرت تلك العين..
بدأ الظلام ينقشع.. فأشرقت
الشمس وعادت الأرض.. كما هي.. نفس الشجرة الباهتة..
والأرض الجافة
المتشققة.. وكأن شيئاً.. لمن يكن.
كان كل شيء كما هو عندما نظرت الى
الأرض.. عدا شيء واحد.. شيء لم يكن هناك من قبل..
في البداية..
ظننت بأنه شبح رجل يصلي باتجاه الغرب.. والشمس من وراءه..ومن ثم اختفى..!
وصلت
الى حيث كان يصلي.. ولم اجد شيئاً.. أمضيت في طريقي..
وبينما كنت
احاول ازالة بعض الأشواك التي علقت في قدمي..
سمعت صوت ينادي..
بإسمي.. رفعت رأسي.. وكانت المفاجأة..!
هاهي الفتاة.. تعود من
جديد.. نظرت اليها .. فتملكني شعور رهيب..
رغبة شديدة بالبكاء..
فنطقت وقالت بصوت يغلبه الحنان :
".. عزيزي كم انا مشتاقة اليك..
واخيراً.. لقد انتظرت طويلاً.. ولكني لم افقد الأمل بقدومك..
كم
افتقدتك يا نصفي الضائع.. كم هي قاسية تلك الحياة..اقتربت مني وأمسكت بيدي
فقلت بصوت متهدج:
".. اني آسف.. لقد وعدتك بأني لن اتركك ابداً..
ولكن فرق الموت بيننا.. لو لم اتغيب عنك في ذلك ال..
وضعت اصبعها
على فمي.. وهي تطلب مني الصمت.. وقالت : لا تلم نفسك.. ارجوك.. كل شيء كان
مقدّر..
ليس بيدي او بيدك القرار.
فأخترق ذلك الصوت الغريب
ذهني مجدداً قائلاً : هل كانت النهاية فعلاً.. بلا اخطاء ..؟ "
سؤال
غريب.. فعلاً.. ياترى.. مالذي يقصده..؟
عاد الصوت مجدداً.. بسؤال
مختصر :
".. أتريد معرفة الحقيقة..؟"
أي حقيقة.. تقصد.. ؟
"..ماحدث
في ذلك اليوم.. لا يجب ابداً.. ان يختفي تحت غطاء القدر.."
اقتربت
الفتاة مني.. وطوقتني واخذت تبكي.. وتلوم حظها التعيس..
".. تلك
الدموع .. تخفي كل شيء.. هل تريد الإستسلام لها ..؟ "
قلت في نفسي :
.. اخبرني.. مالذي حدث.. ارجوك.
فأجاب الصوت :
".. حسناً.."
ولازالت الفتاة تطوقني.. فرمت برأسها على كتفي.. وانا أنظر الى المشهد من
خلفها..
حيث تشكلت لوحة من العدم.. تظهر صور متتابعة.. لمشاهد
مختلفة..
".. الصورة الأولى.."
اطار سيارتي
ينفجر.. في ليلة ممطرة..وانا عائد الى المنزل..
وفقدت السيطرة
عليها.. فارتطمت بجدار منزل قديم..
بعد عناء كبير.. نزلت من
السيارة.. وحاولت الإتصال بأحد لطلب المساعدة..
ولكن الإرسال كان
ضعيفاً للغاية.. ولم تمض دقائق حتى توقف احد الأشخاص لمساعدتي..
وبدأت
الصورة تتلاشى.. لتحل مكانها صورة جديدة.
"..الصورة الثانية.."
في
ذلك القصر الجميل.. جلست تلك الفتاة..تنظر الى المرآة بجمود..
والى
جانبها مظروف فارغ..ومقص صغير.. وورقة كتبت عليها الرسالة..
وقد
بدا على وجهها.. الإعياء من كثرة البكاء..فقامت وهي تتحسس بطنها..
وأمسكت
بصورة لي.. فرمقتها بنظرة قلقة.. ويدها ترتجف بشدة..
القت الصورة
فأحرقت
الرسالة.. والمظروف....و خرجت من الغرفة..والدموع تتطاير من عينيها..
مجدداً.
".. الصورة الثالثة.."
بعد ان اخذت حقيبتي من
السيارة.. وأقلني احد الأشخاص الى منزلي..
وصلت لأرى ذلك المشهد..
الذي لم يمسح من ذاكرتي..
الدور العلوي بأكمله يحترق.. وبوابة القصر
ازدحمت بقوات الدفاع المدني.. والشرطة.. وسكان الحي..
هرعت الى
الداخل بعد ان القيت حقيبتي في الطريق..فحاولت الصعود الى الدور
العلوي..ولكن
احد رجال المطافيء.. منعني من الصعود.. بحجة اني سأعيق
عملية الإطفاء والإنقاذ.
توقفت اللوحة عن عرض الصور..
فقلت
في نفسي :
"..الرسالة.. الرسالة ايها الصوت .. ماذا كانت تحوي
؟!.."
فأجابني :
".. كل شيء.."
كل شيء.. ماذا تقصد
بكل شيء.. ارجوك اخبرني ؟!
فقال الصوت :
".. احتضنها
جيداً.."
فعلت ذلك.. وقلت :
".. والآن.. ؟"
قال بعد
فترة صمت قصيرة :
"..تلك الغرفة.. دخلها رجل غيرك.. مرات عديدة.."
لا
اعلم.. لماذا رسمت تلك الإبتسامة.. ولكن اخبرت الصوت في نفسي.. بنبرة
ساخرة :
".. هل هذه هي حقيقتك المزعومة..؟، لقد كنت اعلم هذا
الشيء.."
فأجابني الصوت :
".. لا ليست هذه هي الحقيقة التي
اخبرتك عنها..، ربما اعتقدت انت بأن وفاتها عقوبة مناسبة لها..
ولكنك
لم تظهر هذا لأي احد.. بل أقنعت نفسك مراراً بأنها بريئة.. على الرغم من
انك تعلم ماذا فعلت.
لكن.. هل كنت تعلم.. بأنها كانت تحمل ابنك..؟
كانت
وقعة كلمة " ابنك " .. قوية جداً علي.. فاتسعت عيناي من الصدمة والغضب..
وارتجفت
وانا لا اعلم ماذا أقول..
فأكمل الصوت :
"..ليست زانية فحسب..
بل قاتلة ابنك ايضاً.."
وأكمل :
"..ادخل يدك في جيبك
الأيسر..ستجد المقص الصغير الذي فتحت به اول رسالة غرام بينها وبين
عشيقها.."
بحثت في جيبي..ووجدت المقص..أخرجته..ولم انتظر شيء من
الصوت..
فالنهاية هنا.. وكل شيء اتضح أخيراً..
تحسست شعرها
من الخلف..ورفعته بيدي اليمنى ليكشف عن رقبتها من الخلف..
فضربت
رقبتها..وأخذت اطعنها بشكل جنوني.. وهي تصرخ من الألم..
وتلطخت يداي
بالدماء والأرض من حولي..والقيت بها على الأرض..
ووطئت بقدمي على
رأسها بقوة.. الى ان غاص في التراب..
وأطلقت صرخة دوت في أنحاء
الأرض الخاوية.. وسقطت على ركبتي.. وانا ابكي بكل اسى وتعاسة..
وهبت
عاصفة تحمل أوراق اشجار ميتة.. وكأنها تواسيني..
وبعد قليل.. هدأ
كل شيء.. وسمعت صوت خطوات تقترب من بعيد..
رفعت رأسي.. فإذا بذلك
المخلوق الأحمر الغريب.. الذي رأيته في منزل عمي..
يمشي على
حافريه..ممسكاً بنفس الكتاب.. وهو يقترب مني..
فنظر الي..مبتسماً..
فأمسكت بالمقص وقلت بنبرة متوترة :
".. من أنت.. وماذا تريد ؟ .."
لم
ينطق.. ولكنه أجاب..
انه هو .. هو الصوت !
لم اصدق ما أرى..
ولم أصدق ما اسمع..
فقال الصوت :
"..انا..؟"
فأشار
ذلك المخلوق الغريب الى نفسه..
وقلت له وقد نفذ صبري :
"..
نعم .. أنت.. ومالذي تفعله بداخلي.. اخرج.."
لم يعر كلامي اي
اهتمام..ونظر الى الكتاب وقرأ
".. اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.."
وبدأت
تتشكل حوله هالة من النيران السوداء.. مشتعلة فيه بشكل تدريجي..مطلقاً
ضحكة جهنمية..!
واختفى هو والصوت ..
فتشكلت المرآة من جديد..
وعرضت الصورة الأخيرة..
كانت الفتاة تعد طاولة الطعام..وتزينها
بالشموع..وهي تترقب الساعة بقلق على زوجها المتأخر..
ونزلت الى
الدور السفلي.. لتلقي نظرة على الطعام..ثم عادت الى الدور العلوي..لتطمئن مرة
أخرى على مكان الطاولة التي احضرتها خصيصاً
لهذا المناسبة.. بعد
غياب زوجها اسبوعين كاملين..في رحلة عمل..، فحاولت عبثاً الإتصال على
زوجها..
ولكنها ترددت.. فخشيت ان يرد عليها في هذه العاصفة الممطرة ،
وتضربه صاعقة.. وهي تعرف مدى اهماله لأهمية هذا الأمر..
فوضعت
هاتفها على الطاولة.. وذهبت الى الغرفة..، بعد دقائق..اهتز هاتفها
المتنقل.. معلناً عن وصول مكالمة جديدة..
ومع اصرار المتصل.. اخذ
الهاتف يدور مكانه.. الى ان ارتطم بالشمعة.. التي سقطت بدورها على طرف
الطاولة..
القريبة من الستار المتهدل على النافذة.. فأشتعلت النيران
في الستار..وخرجت الفتاة من الغرفة.. وحاولت انقاذ مايمكن انقاذه..
ولكنها
تأخرت.. كثيراً.
انهمرت الدموع بلا توقف..من عيناي.. لا أكاد
اصدق..الآن.. مالذي حدث..
مستحيل.. آآآه مالذي فعلته.. فأخرجت رأسها
من التراب.. واحتضنت جسدها..ولم يجرؤ لساني على الكلام..
فبكيت
بحرقة.. على مافعلته..واخذت اتحدث اليها متجاهلاً كل شيء..كما كنت افعل من
قبل..فلم اكن اريد مفارقتها..
حتى لو كانت صنع من الخيال.. او أسوأ
من ذلك.. بأن تكون ميتة..
سأقبل بهذا الحال الى الأبد.. سأظل
احتضنها.. الى ان يحولنا الزمان تماثيل..سنذرف الدمع سوية.. يا قلبي..
سنعيش
هنا في هذا الحلم.. ونجعله أفضل من الحياة نفسها..نعيش حلمنا الأبدي.. تحت
أوراق الخريف